top of page
 
الارتجاع المريئي: الأسباب والأعراض وطرق العلاج
 

   يعد المريء أنبوب عضلي طويل يمتد من البلعوم إلى فتحة المعدة داخل القفص الصدري. يغلق نهايتي هذا الأنبوب حلقتان عضليتان قويتان, تتحكم هذه الحلقات بطريقة فتحه وإغلاقه وتسمحان بمرور الطعام باتجاه واحد وتمنعان ارتجاعه من المعدة إلى المريء والبلعوم.

   

في حال حدوث خلل وظيفي في العضلة السفلية للمريء (الفتحة الفؤاديه)، أو عدم اكتمال نموها خلال السنة الأولى من مرحلة الطفولة، تصاب هذه العضلة بالضعف والارتخاء مما يؤدي إلى التدفق العكسي لمحتويات المعدة ذات الخصائص الحمضية إلى المريء مسبباً الشعور بالحرقة التي يعاني منها الكثير من الناس على اختلاف أعمارهم وأجناسهم، حيث يعد الارتجاع المريئي من الأمراض الشائعة جداً وخاصة في منطقتنا. 

 

أعراض الارتجاع المريئي

الارتجاع المريئي هو عملية تدفق عكسي للعصارة المعدية ومحتويات المعدة من أنزيمات وعصارات هاضمة مما يشعر المريض بحرقان في المنطقة السفلية من الصدر، وصعوبة في البلع، وتغير في الصوت، ومرارة وراحة كريهة للفم، والتجشوء. ويعاني بعض المصابين من سعال مزمن بسبب ارتجاع الحامض المعدي إلى أعلى المريء مما قد يؤدي الى دخولة المجاري التنفسية. وقد تسوء الحالة وتزيد هذه الأعراض وطأة مع التقدم في العمر، وبعد تناول الطعام في وقت متأخر بالليل، وعند الاستلقاء بعد تناول الطعام مباشرة. ومع تطور المرض قد يتضاعف وينتج عنه:  نزف أسفل المريء نتيجه لتقرحه بتأثير الحامض المعدي،  تحول الخلايا المبطنة للمريء إلى خلايا سرطانية أو أخرى قابلة للتحول إلى أورام سرطانية، وتسمى هذه الحالة بمريء باروت (Barrett's)، وقد يؤدي الارتجاع  أيضاً إلى الإصابة بالربو أو السعال المزمن وتليف الرئتين في المراحل المتقدمة للمرض، بالإضافة إلى آلام حادة في الصدر والتي قد تشبه آلام الذبحة الصدرية ويصعب على المريض التمييز بينهما.

 

العوامل التي قد تزيد من احتمالية حدوث الارتجاع المريئي

هناك العديد من العوامل والأسباب التي قد تؤدي أو تزيد من احتمالية حدوث هذا المرض، ومنها: زيادة الوزن, والحمل, والتدخين, والإدمان على شرب الكحول, والإكثار من تناول الأطعمة الدسمة والمقلية, وحدوث فتق بالمعدة وصعودها فوق الحجاب الحاجز وهذا يحدث عند كبار السن أكثر من صغار السن.

 

علاج الارتجاع المريئي

يتم علاج هذا المرض عن طريق إما تغير نمط الحياة، أو عند طريق استخدام الأدوية، أو كلاهما. ويتدرج العلاج على مراحل حسب الحالة المرضية وحدتها. في كثير من الأحيان يستطيع المريض السيطرة على حالته المرضية من خلال تغير نمط الحياة, والعمل على التخلص من الضغوط العصبية، وتجنب التوتر قدر المستطاع ؛ ولكن قد تستمر أعراض المرض بالحدوث لدى بعض المرضى على الرغم من تغير نمط الحياة، مما قد يجبره على استخدام الأدوية للتخفيف من حدة الملرض ومعالجته.

 

أولاً: تغير نمط وأسلوب الحياة

ويتمثل ذلك بإتباع بعض العادات الغذائية والممارسات الصحية السليمة والتي من شأنها التخفيف من أعراض الارتجاع المريئي ومنع حدوثه، ومن أهمها:

- تجنب تناول وجبات كبيرة؛ إذ أنها تبقى في المعدة لمدة أطول وتزيد فرصة حدوث الدفق العكسي (الارتجاع المعدي المريئي ) وتناول وجبات صغيرة تفصلها فترات قصيرة عوضاً عن ذلك وإتباع سنة النبي – صلى الله علية وسلم – في قولة :"حسب ابن ادم لقيمات يقمن صلبة فإن ولا بد فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه".

- عدم تناول المأكولات أو المشروبات التي تزيد الإفرازات الحمضية أو تبطئ إفراغ المعدة من محتوياتها؛ مثل الوجبات الدسمة عالية الدهون, منتجات الطماطم, والمشروبات الغازية, والفواكه الحمضية, والثوم والبصل, وأي نوع من أنواع النعناع والحليب كامل الدسم ومشتقاته.

- تجنب التدخين؛ فالنكوتين الموجود في السجائر والدخان بأشكاله  ينبه إفراز الحمض المعدي ويؤدي إلى ارتخاء الصمام السفلي للمريء.

- تجنب تناول الكحول فإن له تأثير مدمر لبطانة المريء والمعدة ويزيد من تقلصات العضلية لجدار المعدة.

التخلص من الوزن الزائد والسمنة وخاصة السمنة المتركزة بمنطقة البطن، وذلك بإتباع حمية غذائية تحت إشراف طبي.

- أخذ الوقت الكافي في تناول الطعام ومضغه جيداً وتجنب الأكل بسرعة.

- تجنب الأطباق الساخنة جدًا، والباردة جدًا، وتلك المشبعة بالتوابل، والدهون، والأغذية المقلية، والأطباق المسبكة.

- شرب الماء بعد كل وجبة، وعند ظهور أول علامة لحرقة الفؤاد فالماء يغسل الحمض من المريء ويخفف من تركيز الحمض داخل المعدة.

- مضغ العلكة (اللبان)، فمضغ العلكة من أفضل الطرق لتفادى الحموضة، فهو يعمل على تغليف المريء باللعاب وحمايته من الحمض المعدي ، ولكن ينصح بعدم الإكثار من مضغ العلكة؛ لأنها قد تسبب الغازات والإسهال، وخاصة العلكة بنكهة النعناع.

- الجلوس بعد تناول الطعام، وعدم الاستلقاء على الأريكة بعد الأكل مباشرة، فوضعية النوم الأفقية تجعل الحمض يخرج من المعدة إلى المريء، ويفضل المشي بعد تناول الطعام، حيث يساعد المشي على إبقاء الحمض في المعدة.

- عند النوم يفضل النوم على الجانب الأيسر ورفع الرأس عن مستوى الجسم بمقدار 15 سم لتجنب الارتجاع المريئي.

- عدم الضغط على المعدة خاصة بعد تناول وجبة كبيرة لا يجوز الضغط على المعدة بارتداء الملابس الضيقة أو حمل وزن ثقيل أو ممارسة التمارين الرياضية.

- بعض الأدوية قد تسبب الارتجاع المرئي مثل موسعات الشعب الهوائية، ومعوقات قنوات الكالسيوم،  والعقاقير الاسترويدية المضادة للالتهاب، ومركبات البروجستيرون، ومضادات الاكتئاب غير متجانسة التركيب الحلقي.

 

ثانياً: العلاج عن طريق الأدوية

كما ذكرنا سابقاً بمجرد تغيير نمط الحياة والتحكم بوضعية الجسم قد لا يكون كافياً لدى بعض المرضى؛ فقد يكون الحرقان مستمر ومتكرر لأكثر من مرتين أسبوعياً, وهنا يجب التوجه نحو العلاج الدوائي واستخدام بعض الأدوية العامة بعد استشارة الطبيب أو الصيدلاني السريري, خاصة إذا كان المريض يتناول أدوية أخرى. بعض الأدوية المستخدمة تعمل على تنظيم حركة عضلات المريء والمعدة، بينما تعمل أدوية أخرى على التقليل من إفراز  العصارة المعدية. ومن أهم مجموعات الأدوية المستخدمة في العلاج التالي:

 

1- مضادات الحموضة (antacids):  تعد من الأدوية الشائعة وتباع في الصيدليات من غير وصفة طبية، وهي عبارة عن مواد قاعدية تعمل على معادلة الحمض بالمعدي؛ وبالتالي تقلل نسبة الأحماض المرتجعة نحو المريء، وتستخدم في علاج الحالات البسيطة من الارتجاع المريئي, وتعد حل مؤقت ذا فعالية سريعة, وتؤخذ بعد الأكل بساعة وقبل النوم وعند بداية الشعور بالحموضة كحل وقائي ومساعد. من الأمثلة عليها كربونات الكالسيوم أو كربونات الصوديوم.

 

2- حامض الألجنيك :(Gaviscon)  يعمل على تشكيل محلول لزج يطفو فوق العصارة المعدية وبالتالي يشكل حاجز يحمي المريء من الحموض المعدية ويقلل من تكرار نوبات الإرتجاع المريئي. بعض المنتجات تحتوى على حامض الألجنيك إلى جانب أحد مضادات الحموضة مما يعطي نتائج أفضل في التخفيف من أعراض المرض.

 

3- الأدوية التي تغلق مستقبلات الهيستامين (H2 receptor antagonists): تعد من أشهر الأدوية الموصوفة في حالات الارتجاع المريئي، من خلال تقليلها إفراز الحامض المعوي، وتستخدم في علاج الحالات المتوسطة والأكثر تقدماً من الارتجاع المريئي؛ وتعمل على اخفاء الأعراض لمدة أطول لكن قد تفقد قيمتها مع الوقت في العلاج. من أهم الأدوية التابعة لهذه المجموعة: فاموتدين (famotidine)، ورانيتدين (ranitidine).

 

4- مثبطات مضخة الهيدروجين(Proton Pump inhibitors): تعمل على إيقاف مضخة الهيدروجين بالمعدة وبالتالي تثبيط إفراز حامض المعدة، وتعد الحل الأفضل والأقوى للتخفف من الارتجاع المريئي وهي الخيار الأفضل في حال وجود مضاعفات للارتجاع المريئي. وتعطى مرة واحدة يومياً قبل الأكل بنصف ساعة. ومن الأمثلة عليها: أوميبرازول (omeprazole)، ولانزوبرازول (lansoprazole)، وبابتوبرازول (pantoprazole).

 

5- الأدوية التي تسرع إفراغ المعدة(Prokinetics): تعمل هذه الأدوية على تسريع تفريغ المعدة والأمعاء من محتوياتها، وعليه لا يبقى الكثير منها في المعدة فلا يرتجع أي زيادة من تلك المحتويات إلى المريء، وقد تكون مفيده لدى الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في حركة الأمعاء وبطئ في عملية تفريغ المعدة، ويفضل عدم استخدامها إلا بعد استشارة الطبيب. من الأدوية التابعة لهذه المجموعة دواء يدعى ميتكلوبراميد (metoclpramide).


الدواء الأفضل لمعالجة الارتجاع المريئي

يعتمد اختيار الدواء الأفضل والجرعات المستخدمه منها على حالة المريض، ومدى تكرار الأعراض لديه، وإذا كان هناك مضاعفات ناتجة عن المرض. بشكل عام من الممكن بدء العلاج باستخدام الأدوية الأقل فعالية مثل مضادات الحموضة، وفي حال فشلها يتم استبدالها بالأدوية الأكثر فعالية كمثبطات مستقبلات الهيستامين، ومن ثم اللجوء للأدوية الأقوى وهي المثبطة لمضخة الهيدوجين. كما يمكن العلاج بطريقة أخرى وهي البدء باستخدام الأدوية الأكثر فعالية كمثبطات مضخة الهيدوجين ومع الوقت سيبدأ المريض بالتعافي وعندها من الممكن استبدال هذه الأدوية بأخرى أقل فعالية كمضادات الحموضة أو مثبطات مستقبالات الهيستامين. من الجدير بالذكر أن كلا الطريقتين فعالتين بالعلاج ويعود اختيار أي منهما على رأي الطبيب، وقد تستمر مدة علاج هذا المرض إلى 16 أسبوع، وبعض المرضى قد يحتاجون للإستمرار على أخذ الأدوية لفترات أطول وذلك منعاً لحدوث أي مضاعفات لديهم.

 

وتأتي أهمية دور الصيدلاني في الوقاية وعلاج الارتجاع المريئي من خلال تواصله وعلاقتة المباشرة مع المريض, وتخصيصه الوقت الكافي لتوعية المريض حول الأدوية التي يستخدمها , حيث يعد الارتجاع المريئي من أكثر الحالات تأثراً بنمط الحياة وطبيعة الغذاء مما يجعل الوقاية منها وتقليل الأعراض بالأمر السهل, لكن فرصة تكراره أيضاً عالية؛ لتأثره الشديد بنمط الحياة, وهنا يأتي دور الصيدلاني بتقديم معلومات كافية بأسلوب مبسط يضمن به التزام المريض بالعلاج الدوائي, وحصوله على أعلى درجة من الانتفاع, وتجنب الآثار الجانبية للدواء وايجاد الحلول والبدائل للحالات المختلفة.


 

إعداد: ميس محمود الرواشدة/ دكتور صيدلة

إشراف: د. طارق لويس مقطش

حملة دكتور صيدلة نحو رعاية صيدلانية مثلى

 

Please reload

bottom of page