دكتور صيدلة
نحو رعاية صيدلانية مثلى
الضحك وتأثيره على صحة الإنسان
الضحك هو رد فعل طبيعي للإنسان السليم على المواقف المضحكة، كما يمكن أن يكون وسيلة دفاع ضد مواقف الخوف العفوية. والضحك يُعد تعبيراً عن التعاطف والتفاهم المتبادل بين البشر، وهو إحدى وسائل التواصل البشري على مدى التاريخ. ومع ازدياد اهتمام العالم بالقطاع الصحي، وبذل الكثير من الأموال التي تنفق لعلاجها والوقاية منها، قد يكمن العلاج والوقاية بأشياء نمارسها كل يوم ولكننا لا نعيرها اهتماماً، ومن هذه الأشياء الضحك! فالضحك له فوائد إيجابية على كثير من جوانب الصحة.
الضحك والقلب والشرايين
تعد أمراض تصلب الشرايين التاجية وأمراض القلب، مثل اعتلال عضلة القلب وارتفاع ضغط الدم من أكثر الأمراض شيوعاً في العالم، ويوجد العديد من الأدوية والطرق التي تستخدم لعلاج هذه الأمراض, ومنها الضحك.
ما هي الآلية التي من خلالها يؤثر الضحك إيجاباً على القلب والشرايين?
قام باحثون في جامعة ميريلاند الأمريكية, بمقارنة أثر مشاهدة فيلم كوميدي أو فيلم حزين, على الأوعية الدموية عند المشاركين، فكانت النتيجة أنه عند مشاهدتهم لفيلم كوميدي، فإن الأنسجة التي تشكل البطانة الداخلية للأوعية الدموية (Endothelium) تتوسع ويزداد تدفق الدم خلال الأوعية الدموية، وعند مشاهدتهم لفيلم حزين يحدث العكس؛ تنقبض البطانة الداخلية ويقل تدفق الدم خلال الأوعية الدموية، وهذا التأثير يعد غير صحي وضار على الأوعية الدموية، حيث تعتبر أنسجة البطانة الداخلية الخط الأول الذي إذا تلف يؤدي إلى تصلب الشرايين والأوعية الدموية. لذلك فإن الضحك يحافظ على سلامة وصحة أنسجة البطانة الداخلية للأوعية الدموية، ويقلل من خطر أمراض القلب والشرايين، أو على الأقل يعاكس أثر التوتر على الأوعية الدموية، وبالتالي يقلل من سلسلة التفاعلات الإلتهابية والتي تؤدي إلى تراكم الدهون والكوليسترول في الأوعية الدموية للقلب، وبالتالي تؤدي إلى النوبات القلبية.
في دراسة أخرى لنفس الجامعة وجد الباحثون أن مرضى القلب يضحكون بنسبة 40 % أقل مقارنة بالمشاركين الذين ليس لديهم أمراض قلب من نفس العمر، ويقول الباحثون أن الرياضة والأكل الصحي والضحك عدة مرات في اليوم من الممكن أن تصبح توصيات للقلب الصحي, وفي يوم من الأيام من الممكن أن نسمع Heart Attack Away Laughing Every Day Keeps.
الضحك وارتفاع ضغط الدم
توصل العلماء في مدرسة يوغا الضحك (وهي رياضة اليوغا مع التنفس والضحك لإيصال الأكسجين للدماغ والجسم), أنه عند ممارسة يوغا الضحك مع التنفس تحدث الكثير من التغيرات البيولوجية والفسيولوجية، ومنها انخفاض ضغط الدم ومستويات هرمانات التوتر. إن فكرة يوغا الضحك بدأت سنة 1995م بخمس مشاركين في مومباي الهند، وفي الوقت الحالي هناك أكثر من 6000 نادي للضحك في 60 دولة حول العالم.
تضمنت إحدى الدراسات 200 مشارك اشتركوا في 7 جلسات ليوغا الضحك، كل جلسة تراوحت ما بين 20-30 دقيقة لمدة 3 أسابيع، فانخفض الضغط الانقباضي بمقدار 6 ملم زئبق عن الضغط قبل الاشتراك في الجلسات, بالإضافة إلى انخفاض الضغط الانبساطي ومستويات هرمون الكورتزول (هرمون يفرز في حالة التوتر) في الدم. كما انخفض ضغط الأفراد الذين مارسوا يوغا الضحك مقارنة بالأشخاص الذين لم يمارسوا الضحك.
الضحك والسكري
نعم السكري والضحك، فقد وجد باحثون في جامعة تسوكوبا في اليابان أن مستوى السكر في الدم بعد الأكل بساعتين قد انخفض عند المشاركين المصابين بمرض السكري من النوع الثاني عندما تناولوا وجبة الغداء وبعدها شاهدوا عرض كوميدي لمدة 40 دقيقة مقارنة بنفس المشاركين عندما تناولوا وجبة الغداء وحضروا محاضرة مملة لمدة 40 دقيقة، ومن الممكن ربط الانخفاض في السكر بالمواد الكيميايئة التي يطلقها الجسم عند الضحك, حيث وجد الباحثون أن الضحك يقلل من مستوى prorenin في الدم، فهو يعمل على زيادة مضاعفات مرض السكري و أمراض القلب، لذلك من الممكن التوصية بالضحك أثناء تناول الوجبات لمرضى السكري!.
الضحك كرياضة للجسد
يقول الدكتور وليام فراي من جامعة ستانفورد أن معدل نبضات القلب الذي ينتج عن الضحك من القلب لمدة دقيقة يعادل معدل النبضات الناتج عن عشرة دقائق على جهاز التجديف الرياضي، والضحك يحرق السعرات الحرارية أيضاً!، حيث أجرى الباحث ماسيج من جامعة فاندربيلت دراسة صغيرة قاس فيها عدد السعرات الحرارية التي تحرق عند الضحك، وتوصل من خلالها أن 10-15 دقيقة من الضحك ينتج عنها حرق 50 سعرة حرارية (تعادل عدد السعرات الحرارية الموجودة في قطعة الشوكلاه).
الضحك والمناعة
التوتر يقلل المناعة, ويصبح الإنسان أكثر عرضة للأمراض والالتهابات المختلفة، والضحك يعاكس التوتر ويقلل من هرومونات التوتر، وقد توصل الباحثون أن الضحك يزيد مستوى الأجسام المضادة للإلتهابات ويزيد عدد خلايا المناعة وفعاليه الجهاز اللمفاوي. يكمن مفتاح فهم طريقة عمل الضحك هو تأثير الضحك على هرمونات التوتر السلبية، فعند حدوث التوتر يرسل الدماغ إشارات إلى الغدة الصنوبرية، التي بدورها ترسل إشارات للغدة فوق الكلوية لتزيد من إفراز هرمونات التوتر، والتي بدورها تسبب ضرراً لجسم الإنسان إذا زادت عن نسبتها الطبيعية، ولكن عندما نضحك ونكون سعداء فإن شيئاً عجيباً يحدث لنا، حيث يتم اعتراض ومنع هذه الإشارات لتصل إلى الغدة المفرزة للهرمونات السلبية، ونحمي بذلك الجسم من تبعات الهرمونات الضارة على الصحة الجسدية والنفسية.
الضحك والألم
أثبتت العديد من الدراسات أن الضحك يقلل من الشعور بالألم، ومن هذه الدراسات دراسة للدكتور روبيرت بيرك من جامعة اكسفورد حيث توصل إلى أن قدرة المشاركين في الدراسة على تحمل الألم قد ازدادت بمقدار 10% بعد مشاهدة فيلم مضحك لمدة 15 دقيقة مقارنة بشاهدة فيلم غير مضحك أو عدم المشاهدة، وقد تم ربط هذه النتائج بافراز مادة الأندورفين عند الضحك.
وهناك كذلك دراسات خاصة بتأثير الضحك على الأطفال باستخدام المهرج، فوجد أن الضحك يحد من الإحساس بالألم، ويحفز وظائف جهاز المناعة، ويقلل القلق عند الطفل، ويقوي روح التعاون للعلاج، كما يقلل الحاجة لاستخدام المهدئات لدى البعض. لذلك يلجأ عدد من المستشفيات في أوروبا وأميركا إلى استخدام المهرجين لتسلية الأطفال المرضى والترويح عنهم وجعل المهرجين جزءً من العلاج الطبي. ويرى بعض الباحثين أن الضحك هو جزء من صورة كاملة، وأنه نشاط اجتماعي قد يكون تأثيره وفائدته الصحية ناتجة أيضاً من التواصل مع الأهل والأصدقاء, وليس من الضحك وحده، وعلى أي حال فبما أننا نشعر بالسعادة والارتياح عندما نضحك فعلينا أن نضحك دائما.
اضحك فالعالم لن يتغير بحزنك، اضحك تضحك لك الدنيا، و قد حثنا رسولنا صلى الله عليه وسلم عن الابتسامة، فقال " تبسمك في وجه أخيك صدقة " وفي حديث آخر أيضاً " روحوا عن القلوب ساعة بعد ساعة، فإنها إذا كلت ملت، وإذا ملت عميت"، كما يقول سيدنا علي رضي الله عنه" إن القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكم".
إعداد: أسيل محمد شخاتره/ دكتور صيدلة
إشراف: الدكتورة فاديا مياس
حملة "دكتور صيدلة نحو رعاية صيدلانية مثلى"
كلية الصيدلة_ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية