دكتور صيدلة
نحو رعاية صيدلانية مثلى
التليّف الكيسي عند الأطفال: الأعراض والعلاج
التليف الكيسي (Cystic Fibrosis) مرض وراثي يصيب الأطفال الذكور والإناث بنسب متساوية، يُحدث خللا في الغدد الإفرازية، مما يؤثر سلباً على وظائف أجهزة الجسم الأخرى مثل الرئتين، البنكرياس، الكبد، الأمعاء، الجيوب الأنفية، والأعضاء التناسلية.
يرجع ذلك إلى وجود طفرات جينية في الكرموسوم رقم سبعة، الخلل في هذه الجينات يؤدي إلى تغير طبيعة إفرازات الغدد في الجسم لتصبح أكثر سماكة ولزوجة. والتحليل الذي يستخدم لفحص الإصابة بالتليف الكيسي يسمى "تحليل العرق" والذي يكشف عن وجود الملح الزائد في العرق.
في هذا الاختبار، يتم استخدام محفزات التعرق على قطعة صغيرة من الجلد على الذراع أو الساق، وتدليك الجلد بهذه المادة الكيميائية المنتجة للعرق ثم يستخدم القطب الكهربائي لتوفير تيار الكهربائي خفيف، يتم جمع العرق بأداة خاصة وتحليله بعد ذلك. اختبار العرق عادة ما يتم مرتين،والمستويات العالية من الملوحة تأكد تشخيص الإصابة بهذا المرض.
علامات وأعراض التليف الكيسي تختلف من شخص لآخر وعبر الزمن. فقد يعاني المريض من أعراض قليلة وفي أحيان أخرى قد تصبح الأعراض أكثر شدة. واحدة من العلامات الأولى للمرض بأن يلاحظ الآباء أن بشرة الطفل لها طعم مالح عند تقبيله، أو أن الطفل حديث الولادة غير قادر على إخراج البراز. أما الأعراض اللاحقة فتختلف باختلاف درجة تأثير المرض على الأجهزة الأخرى.
عادة ما يعاني المصابون بالتليف الكيسي من نقص في الوزن بحيث يكون أقل من المعدل الطبيعي لأعمارهم وذلك نتيجة لانسداد البنكرياس بواسطة العصارات الكثيفة؛ بحيث لا تستطيع إنزيمات الهضم الوصول إلى الطعام ما يؤدي إلى عدم هضمه، مما يسبب الإسهال المستمر أو براز دهني كريه الرائحة، ألم شديد وعدم ارتياح ناجم عن الإمساك الشديد والغازات في الأمعاء. وقد يحدث انسداد معوي وخاصة عند الأطفال حديثي الولادة، وهذه الأعراض تحدث نتيجة لتأثير المرض على الجهاز الهضمي. وتزداد فرصة حدوث السكري بسبب وجود خلل في الخلايا البنكرياسية المسؤولة عن إفراز الأنسولين.
كما يكون المرضى أكثر عرضة للأمراض التي تصيب الجهاز التنفسي؛ لأن المخاط يكون سميكًا جدًا وشديد اللزوجة، ويلتصق بالرئتين مسببًا انسداد بعض الممرات الهوائية. نوبات متكررة من التهاب الشعب الهوائية والالتهاب الرئوي يمكن أن يحدث أيضا.والتي قد تتسبب على المدى الطويل بتلف في الرئة. ومن تأثيرات التليف الكيسي على الجهاز التناسلي عند المرأة بصعوبة حدوث الحمل بسبب تراكم الإفرازات الكثيفة في عنق الرحم، أما الرجال فإنه سيفقد قدرته على الإنجاب.
متى يتبادر التليف الكيسي إلى الذهن؟
سعال متكرر ينتج عنه مخاط كثيف، إصابة متكررة بما يشبه الالتهاب الرئوي، مشاكل في الأمعاء، انسداد الأمعاء عند الأطفال حديثي الولادة. عدم نمو وفقدان للوزن بالرغم من وجود شهية عادية.
بما أن التليف الكيسي مرض مزمن، أي أنه حالة ستظل ملازمة للطفل لبقية حياته، فهو يحتاج لعلاج متكامل ليعيش حياة أقرب ما تكون إلى الحياة الطبيعية. وينقسم العلاج إلى قسمين: العلاج الدوائي، والعلاج غير الدوائي والذي يشمل التغذية والرياضة وغيرها.
1.العلاج الطبيعي للصدر: يستخدم لتنظيف الممرات الهوائية الممتلئة بالبلغم الكثيف، حيث يعد العلاج الطبيعي جزءًا مهماً من علاج التليف الكيسي. وعادة ينم باستخدام أجهزة مخصصة تقوم بالضرب على منطقة الصدر والعودة مرارا وتكرارا أو باستخدام الأيدي، فتسهل عملية خروج المخاط من الرئتين. أو قد تتم باستخدام تقنيات التنفس بإخراج زفيرين اثنين من الأنفاس القصيرة أو زفير واحد عميق طويل ومن ثم القيام بالتنفس المريح البطيء، هذا قد يساعد في فتح الممرات التنفسية.
وفي الغالب يكون من الأفضل إجراء جلسة علاج طبيعي في الصباح بمجرد استيقاظ الطفل قبل الإفطار، وجلسة أخرى بعد عودته من المدرسة أو قبل النوم. يختلف نظام العلاج الطبيعي وفقًا لنصائح الطبيب أو اختصاصي العلاج الطبيعي، يجب البدء في العلاج الطبيعي منذ وقت التشخيص، ومن المهم أن يصبح العلاج الطبيعي جزءًا من البرنامج اليومي للطفل، ويمكن إضفاء المرح عليه بإدخال الألعاب في النظام العلاجي. ويعد السعال مفيدا جدا في حالة التليف الكيسي حيث أنه يساعد على تنظيف الرئتين، فعليك تشجيع طفلك على السعال منذ سن مبكرة للتخلص من البلغم.
2.الرياضة والتدريبات البدنية:لها أهمية بالغة لأن الرياضة تعمل على مساعدة طفلك على السعال والتخلص من البلغم، والتدريبات ستجعل طفلك أقوى بدنيًا وستساعده على التنفس بصورة أفضل، كما أنه مع التدريبات، ستزيد شهية طفلك. إن الرياضات المفيدة بصفة خاصة هي تلك التي يتحرك فيها الطفل كثيرًا ويقوم باستخدام ذراعيه والتنفس بعمق، وتعد كرة القدم والكرة الطائرة والسباحة والجري أمثلة على ذلك.
3.المطاعيم: المطاعيم مهمة لمنع الإصابة بالأمراض، فيجب أن ترتب لتطعيم طفلك لتجنب إصابته بأية أمراض قد تؤذيه، وبما أنه مصاب بالتليف الكيسي فإن المرض قد يكون ضارًا برئتيه، فالمطعوم سيساعدك على تجنب العديد من الأمراض المؤذية عن طفلك. وتشمل المطاعيم المتواجدة في برنامج التطعيم الوطني بالإضافة إلى مطعوم الانفلونزا السنوي.
4. التغذية: يس هناك أطعمة خاصة للأطفال المصابين بالتليف الكيسي، فيجب أن يحصل طفلك على نظام غذائي طبيعي جيد ذو سعرات حرارية عالية تزداد عن حاجة الطفل السليم بمقدار 50 %؛ لتزوده بالطاقة والحفاظ على صحة رئتيه. من الأطعمة التي يحتوي على كم كبير من البروتين والدهون مثل: اللبن، اللحم بقري، الدجاج، البيض والجبن. أما الطعام الذي يحتوي على كم كبير من السعرات الحرارية فهو مثل: النشويات (البطاطس)، القرع العسلي، المكرونة، الأرز، الفول، الخبز واللبن. وأي نوع من الحليب يكون جيد بالنسبة للطفل شريطة أن يتم غليه وتعقيمه. كما يفقد الطفل المصاب بالتليف الكيسي الكثير من الأملاح خلال التعرق لذلك ينصح بشرب الكثير من السوائل أو تناول الملح أحياناً.
5. الإنزيمات: وهي عبارة عن مكملات توفر إنزيمات البنكرياس والتي تساعد الطفل على هضم الكربوهيدرات والدهون ومختلف الأطعمة وتساعده على النمو واكتساب الوزن. وتؤخذ هذه الإنزيمات مع كل وجبة غذائية بجرعاتها الكاملة، ومن الجدير بالذكر أن هذه الإنزيمات لا تؤخذ مع الخضار والفواكه حيث إنها لا تحتوي على دهنيات تحتاج إنزيمات لهضمها. يجب تشجيع طفلك على ابتلاع الكبسولة مباشرة بعد تناولها وعلى عدم مضغها أو سحقها.
إن كان الطفل غير قادر على بلع الكبسولة فإنه من الممكن مزج محتوياتها بصلصة التفاح أو يتم نثرها على جزء من الأكل عندما يبرد. ويجب على المريض أن يتناول كميات كبيرة من السوائل وخصوصا الماء بعد أخذ جرعته من هذه الأنزيمات.
في حال نسيان الجرعة قم بإعطاء الجرعة الفائتة فور تذكرك خلال ساعتين من موعد الجرعة الأصلي، وإذا اقترب موعد جرعة طفلك التالية، فتخط ِالجرعة الفائتة وارجع لمواعيد طفلك العادية. توجد أسماء تجارية مختلفة لهذا الدواء ولا يمكن استبدال اسم معين بآخر دون الرجوع إلى الطبيب المختص. من الآثار الجانبية المصاحبة لهذا الدواء: الصداع، الغازات، ألم وانتفاخ بالبطن، غثيان أو قيء، وإمساك.
6.المضادات الحيوية: هي أدوية مهمة جدًا للحفاظ على حياة المريض وبقائه بصحة جيدة. قد يضطر المريض في بعض الأحيان إلى أخذ المضادات الحيوية بصورة متكررة ولفترة طويلة، عن طريق الفم وقد يحتاج لمضادات حيوية أقوى يجب إدخالها مباشرةً داخل الجسم -أي داخل الوريد- وعندئذٍ سيضطر للذهاب إلى المستشفى.
يصاب نحو 55 طفلا سنويا في الأردن بمرض التليف الكيسي، في حين يقدر المصابون به في المملكة بحوالي (600) طفل وينتشر بنسبة مولود واحد لكل (2600) بحسب إحصاءات الجمعية الأردنية للتليف الكيسي للعام 2010، ويصفه الكثير من الخبراء بالمرض القاتل، إلا أن توافر العلاج والاكتشاف المبكر مكن المرضى من العيش لفترة طويلة وحسن من مستوى حياتهم.
إن علاج التليف الكيسي ليس أمرًا سهلا، فهو يكون صعبًا عندما تكون غير معتاد عليه، لكن عندما تتعلمه ستتمكن من القيام به كأمر روتيني. إن ذلك يستغرق وقتًا، لكن جميع الآباء يتعلمون كيف يعالجون طفلهم المصاب ويساعدونه في التغلب على مرضه. وتذكر، التوقف عن العلاج أو ترك مركز علاج التليف الكيسي لا يؤدي إلا إلى تعريض حياة المريض للخطر، وهناك الكثير ممن تعايش مع المرض وأصبح الآن في سن الشباب. وتقوم الجمعية الأردنية الخيرية لمرض التليف الكيسي بالعناية بالمصابين وتقديم المشورة الطبية والتثقيفية لذويهم للتخفيف من حدة المرض.
إعداد: ليلى ملاعبة/ دكتور صيدلة
إشراف: د. باسمة المومني
حملة "دكتور صيدلة نحو رعاية صيدلانية مثلى"