دكتور صيدلة
نحو رعاية صيدلانية مثلى
عشبة الأقحوان واستخدامها في علاج الشقيقة
تعتبر الشقيقة (Migraine) أحد أهم أنواع الصداع، ولكنها تختلف عن بقية أشكال الصداع بأنها تصيب جزءاً واحداً من الرأس بشكل نصفي؛ لذلك أطلق عليها اسم "الصداع النصفي". كما تعد الشقيقة أكثر انتشاراً على عمر يتراوح ما بين 25-45 سنه، و تكون الإناث أكثر عرضة للإصابة به مقارنةً بالذكور بعد سن البلوغ بمعدل ثلاث أضعاف، ولكن بعد سن اليأس تتساوى احتمالية الإصابة بالمرض لديهن مع الذكور.
يظهر الصداع النصفي على شكل نوبات متفرقه تتراوح مدتها ما بين ساعة وثلاثة أيام، وأحياناً يسبق حدوث النوبة علامات تدل على اقترابها وتكون بالعادة اضطرابات بصرية كوجود هالات أو بقع في مجال الرؤية، وقد تكون تخيلات أو هلوسات سمعية أو شمية، أو تأتي على شكل اضطرابات في المعدة كالقيء والغثيان.
تحدث نوبات الشقيقة في أي وقت ولكنها غالباً ما تكون بالصباح الباكر أو نتيجة لعوامل تحفز حدوثها مثل: التغييرات الهرمونية لدى النساء، بعض الأطعمة كالمشروبات الكحولية، أو محفزات حسية كالأضواء الساطعة، أو وهج الشمس وأحياناً تغييرات في نمط النوم.
تؤثر نوبات الشقيقة على حياة المرضى بشكل كبير وتمنعهم من ممارسة نشاطاتهم اليومية والوظيفية بشكل طبيعي، فهي أحد أهم الأسباب التي تؤدي الى أخذ الإجازات وقلة الإنتاج العملي، فأكثر من نصف المرضى يحتاجون إلى راحة تامة في السرير دون القدرة على القيام بأي عمل أثناء الإصابة بالنوبة. حسب احصائيات منظمة الصحة العالمية تصيب الشقيقة 10% من سكان العالم، ومن بين كل مليون مريض هناك 3000 مريض تصيبهم نوبة الشقيقة كل يوم، علاوةً على ذلك احتلت الشقيقة المركز التاسع عشر من بين الأمراض التي تسبب عجزاً أو عدم قدرة على ممارسة الحياة بشكل طبيعي.
عشبة الأقحوان :
تنتمي عشبة (feverfew) لجنس الأقحوان، وهي نبتة برية معمرة تنمو في أوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية ومناطق أخرى من العالم، وتتواجد أيضاً في الأراضي الأردنية وخاصة المناطق الدافئة قليلة الارتفاع كإربد وجرش ووادي الأردن والسلط.
تشبه الأقحوان في شكلها نبات البابونج ويتراوح طولها ما بين 0,3- 1 متر تقريباً. تتميز الأقحوان بزهورها الجميلة ذات مركز أصفر أو ذهبي اللون يحيطه بتلات بيضاء، ولها أوراق خضراء تميل للصفرة، وبالرغم من جمال ورودها إلا أن لها رائحة غير محببة لذلك كانت تزرع بحدائق الزهور لطرد الحشرات.
الاستخدامات الطبية للأقحوان :
عرف الإنسان عشبة الأقحوان منذ القدم واستخدمها طبياً لعدة أغراض كان أبرزها خفض الحرارة المرتفعة لذلك أطلقوا عليها اسم عشبة الحمى، كما استخدمت قديماً لعلاج الصداع وألم المعدة والأسنان ولسعات الحشرات والعقم ومشاكل الدورة الشهرية والولادة. في الوقت الحالي تستخدم العشبة بشكل كبير في علاج الشقيقة، كما تستخدم بالطب الشعبي لعلاج ألم المفاصل والروماتزم وطنين الأذن والإعياء والتقيؤ وأمراض الجهاز التنفسي من ربو وحساسية.
هل أثبتت الدراسات العلمية فعالية الأقحوان في علاج الشقيقة ؟
عام 1978م تم الانتباه عالمياً لدور عشبة الأقحوان في علاج الشقيقة، وذلك من خلال قصة نشرت في مجلة الصحة البريطانية (The British Health Magazine) عن امرأة عانت من نوبات شقيقة شديدة منذ 16 عاماً، وعلى عمر 68 سنة بدأت بتناول 3 أوراق من عشبة الأقحوان بشكل يومي ولاحظت أن النوبات بدأت تقل تدريجياً إلى أن توقفت تماماً بعد 10 أشهر من الاستخدام.
علمياً تم إجراء العديد من الدراسات التجريبية والسريرية على نبتة الأقحوان للتأكد من فعاليتها في علاج الشقيقة، ففي عام 2002م تم إجراء مراجعة لنتائج الدراسات السريرية التي أجريت على الإنسان سابقاً لإثبات دور الأقحوان في علاج الشقيقة وعددها خمسة، ولكن نتائج هذه الدراسات كانت متضاربة، اثنين منها بينت أن الأقحوان غير فعال في علاج الشقيقة، والثلاث دراسات الأخرى كانت نتائجها تقول أن عشبة الأقحوان فعالة في علاج ومنع نوبات الشقيقة. من الجدير بالذكر أن اختلاف المحلول المستخدم لتحضير مستخلص العشبة واختلاف المعايير المستخدمة في تصنيع المنتجات التي اعتمدت عليها الدراسات كان له دور مهم في تضارب النتائج وعدم وضوحها، فحتى هذا الوقت فإن الدليل العلمي يعد غير كافٍ وما زلنا بحاجة إلى عمل المزيد من الدراسات الدقيقة لإثبات فعالية الأقحوان في العلاج، لذلك لا نستطيع الآن إعطاء استنتاج قاطع بأن النبتة فعالة في علاج مرض الشقيقة بناءً على الدراسات العلمية، وهذا لا يعني أن المصاب بالشقيقة لن يستفيد من استخدام العشبة، ولكن سيكون لها فعالية علاجية تتفاوت من شخص إلى آخر حسب العوامل والظروف المحيطة بالمريض والمرض.
بعض الدراسات بينت أن مزج الأقحوان بالزنجبيل أو نبتة الصفصاف يعطي نتيجة أفضل في علاج نوبات الشقيقة ومنع حدوثها، لذلك يتم أحياناً تصنيع منتجات تحتوي على أكثر من عشبة لتكون أكثر فعالية في العلاج.
المواد الفعالة في الأقحوان :
تحتوى هذه النبتة الطبية على عدد كبير من المركبات كالفلافانويد(flavonoids) والزيوت الطيارة وغيرها، ولكن معظم الفعالية العلاجية لها تتمركز حول مجموعة من المركبات يطلق عليها اسم سيسيكويتربين لاكتون (sesquiterpene lactones) وهي تضم أكثر من 30 مركب علاجي، ويعد مركب البارثينوليد (Parthenolide) أهمها في إعطاء الخصائص العلاجية للنبتة، ويعتمد عليه في معايرة المنتجات التجارية، حيث يجب أن يحتوي المنتج على تركيز يتراوح ما بين 0,2-0,7% من هذا المركب.
الأشكال الصيدلانية لمنتجات العشبة وطريقة استعمالها :
يمكن تصنيع مستخلص الأقحوان من الجزء الهوائي العلوي منها بعد تجفيفه، لكن غالباً تقوم الشركات بتصنيع المستخلص من أوراق العشبة المجففة ومن ثم عمله على شكل منتج صيدلاني قابل للبيع والاستخدام. عالمياً تتواجد منتجات الأقحوان بعدة أشكال كالأقراص والكبسولات والشراب وحبوب توضع تحت اللسان، والجدير بالذكر أن الكبسولات تتميز بعدم تسببها لحدوث تهيجان في الفم واللسان. يتم أيضاً تصنيع منتجات موضعية من العشبة كالكريمات والتي تستعمل لعلاج الأمراض الجلدية كالصدفية.
تختلف الجرعة العلاجية وطريقة الاستعمال الصحيحة باختلاف المنتج، ولكن بشكل عام يفضل تناول 100-300 ملغم من مستخلص الأقحوان المعاير بما لا يزيد عن أربع مرات يومياً لعلاج الشقيقة. ويجب الانتباه إلى أن المنتجات الفموية من الأقحوان تؤخذ بعد الأكل للتخفيف من أي تهيجات أو اضطرابات معدية قد تحدث، ويجب أن يعلم المريض أن الفعالية الكاملة للأقحوان في علاج الشقيقة تظهر بعد 4-6 أسابيع من الاستخدام.
في الصيدليات الأردنية لا يوجد منتجات طبية من عشبة الأقحوان، ولكن عالمياً هناك العديد من المنتجات، منها: منتج التناسيت (Tanacet®) ويكون على شكل أقراص، وهناك منتج آخر يأتي على شكل كبسولات يدعى ليفبلان فيفرفيو (Lifeplan Feverfew®)، وحديثاً تم تصنيع منتج يحتوي على الأقحوان إلى جانب الزنجبيل، يدعى جلستات ميجرين (Gelstat Migraine®) ويأتي على شكل جل يوضع تحت اللسان لمدة دقيقة ثم يبلع.
شاي الأقحوان :
إذا كانت النبتة متوافرة فمن الممكن جمع أوراقها وتجفيفها وصنع شاي منها، وذلك عن طريق نقع ملعقة صغيرة من الأوراق المجففة بحوالي150-250 مل من الماء المغلي لمدة 5-10 دقائق، بعدها من الممكن شرب الشاي عند الحاجة لعلاج الشقيقة، كما يمكن تبريده واستخدامه لأغراض أخرى، منها: مضمضه للفم للتخفيف من تهيجات اللثة وألم الأسنان، ويمكن أيضاً أن يدهن على الجلد لعلاج لسعات الحشرات وقرصها أو كطارد للحشرات، أو لعلاج المشاكل الجلدية.
الأعراض الجانبية :
لا يوجد أعراض جانبية خطيرة لاستعمال الأقحوان؛ ولكنها قد تسبب تهيج وانتفاخ أو تقرحات في الفم والشفتين، وأحياناً فقدان لحاسة التذوق، تزول هذه الأعراض عند التوقف عن أخذ العشبة. هناك أعراض أخرى تعد أقل حدوثاً ومنها: الغثيان واضطرابات معوية وانتفاخ البطن، ونادراً قد تسبب النبتة زيادة في دقات القلب.
وتجدر الإشارة إلى أن الانقطاع عن استخدام الأقحوان بعد طول استخدام قد يسبب حدوث بعض الأعراض كالصداع أو صعوبة في النوم أو التوتر أو آلام في المفاصل والعضلات.
تحذيرات حول الاستخدام :
1) يمنع استخدمها من قبل الحامل لما تسببه من تقلصات في الرحم قد تؤدي إلى الإجهاض.
2) لا تستعمل للأطفال دون سن العامين.
3) يمنع استخدامها من قبل المرضع.
4) تجنب استخدامها إذا كنت ستجري عملية جراحية خلال الأسبوعين القادمين، لأنها تزيد من احتمالية حدوث نزيف.
5) تزيد الأقحوان من تميع الدم لذلك عند استخدامها مع نبته أخرى لها نفس المفعول أو مع الأدوية المخثرة والمميعة فإنها ستزيد من احتمالية حدوث نزيف.
6) تؤثر هذه النبتة على فعالية بعض الأدوية زيادةً أو نقصاناً، لذلك استشر الطبيب قبل أن تستخدمها مع أي أدوية أخرى.
إعداد: لؤي محمد السلومي/ دكتور صيدلة
إشراف: أ.د. فراس قاسم علعالي
حملة دكتور صيدلة نحو رعاية صيدلانية مثلى