top of page
 
عشبة القديس يوحنا (الروجا) لمعالجة الاكتئاب

 

 

الاكتئاب مرض نفسي قد يصيب أي شخص بغض النظر عن جنسه، أو عمره، أو حتى خلفيته الاجتماعية. هناك عدة أنواع لمرض الاكتئاب، وتختلف أعراض هذا المرض ومدى شدتها من شخص إلى آخر، ولكن بشكل عام يعاني المريض من مزاج سيء وحزن دائم، وفقدان الشعور بالاستمتاع أو السعادة عند ممارسة النشاطات والأعمال التي كان يُفضلها مسبقاً، كما قد يصيب البعض شعور بالذنب دون سبب، أو يشعر بعدم وجود قيمه له. علاوةً على ذلك، هناك أعراض ملموسة للاكتئاب مثل عدم القدرة على التركيز، وقلة النوم، وفقدان الشهية، أو الأكل بشراهة غير اعتيادية. ويجدر بالذكر أن شعور المرء بالحزن لفترة قصيرة  مع وجود سبب منطقي كموت شخص عزيز عليه، أو فقدان شيء ثمين، لا يدخل ضمن تعريف مرض الاكتئاب إلا إذا دامت عليه الأعراض لفترة طويلة، أو كانت شدتها كبيرة بحيث تؤثر على حياة الإنسان وتمنعه من التفكير بشكل سليم. تكمن خطورة مرض الاكتئاب في أنه يجعل المريض غير قادر على العناية بنفسه، أو القيام بمسئولياته، والأهم من ذلك أنه قد يدفع المريض إلى التفكير في الانتحار أو حتى القيام به.

 

 

عشبة القديس يوحنا (Saint John's wort)

سُميت عشبة القديس يوحنا (أو عشبة القديس جون) بهذا الاسم لأنها تُزهر في الفترة التي توفي فيها القديس يوحنا، في الرابع والعشرين من حزيران، حيث تُعطي هذه النبتة أزهاراً صفراء مرقعه بنقط حمراء صغيرة، وهذه النقط تحتوى على مركب دوائي فعال يدعى هايبرسين (hypericin). تنمو هذه النبتة البرية في مناطق مختلفة من العالم، مثل أفريقيا، وأمريكا الجنوبية، وأوروبا، ونيوزلندا، وغيرها، لكنها لا تتواجد في الأراضي الأردنية. تستطيع عشبة القديس يوحنا العيش لمدة تزيد على السنتين، والجزء المستخدم منها هو الجزء الهوائي، أي الذي ينمو فوق التربة، حيث تحصد هذه النبتة قبل أو أثناء الإزهار وتجفف مباشرةً، وذلك منعاً لتحطم المواد الفعالية الموجودة فيها.

 

في عام 1525م، اكتشف طبيب سويسري فعالية هذه النبتة الطبية في علاج الأمراض النفسية، وقد استخدمت في ذلك الوقت لعلاج حالات الاكتئاب والقلق والتشويش العصبي والألم العصبي. في الوقت الحاضر تتوافر المنتجات الطبية لهذه النبتة في كافة أنحاء العالم، وتعد منتجاتها من أكثر المستحضرات العشبية مبيعاً.

المركبات الفعالة في عشبة القديس يوحنا

تحتوى هذه العشبة الطبية على عدد كبير من المركبات، ولكن معظم الفعالية العلاجية لها تتمركز حول مركبين أساسيين، ولذلك يتم معايرة المستحضرات الطبية لهذه النبتة بناءً على تركيز أحد هذين المركبين أو كلاهما، وهما:

 

اولاً: مركب الهايبرسين (hypericin)، وهو عبارة عن مادة ذات لون أخضر غامق. يذوب الهايبرسين في المذيبات العضوية وينتج عن ذلك محلول ذو لون أحمر يعطي انبعاثات اشعاعية. يتميز هذا المركب بعدم قدرته على دخول الجهاز العصبي المركزي في جسم الإنسان، وبذلك هو لا يعالج الاكتئاب، إلا أنه أكثر المركبات الطبيعية تحسساً للضوء (photosensitizer)، ولذلك له تطبيقات عديدة في معالجة السرطان سنذكرها لاحقاً.

 

ثانياً: مركب الهايبرفورين (hyperforin)، هو المسئول عن فعالية عشبة القديس يوحنا في معالجة مرض الاكتئاب وذلك لقدرته على اختراق الجهاز العصبي المركزي في الجسم، ولكنه يعتبر مركب غير مستقر ويتحطم بسرعة عند تعرضه للضوء أو الأكسجين، وهو أيضاً غير ثابت في المذيبات العضوية على عكس مركب الهايبرسين (hypericin).

 

الأشكال الصيدلانية لمنتجات عشبة القديس يوحنا

كما ذكرنا سابقاً تعد منتجات هذه النبتة من أكثر المنتجات العشبية مبيعاً في كافة أنحاء العالم، وتتوافر هذه المستحضرات بعدة أشكال، فبعضها تُؤخذ عن طريق الفم، كالحبوب، والكبسولات، والشراب، أو حتى على شكل قطاره، وبعضها الأخر تكون على شكل منتجات موضعيه، كزيت هذه العشبة، أو جل، أو مرهم. ويجدر بالذكر أن هذه المنتجات يجب أن تحفظ في أوعية مغلقة جيداً، وبعيداً عن الضوء. على المستوى المحلي تعرف عشبة القديس يوحنا أحياناً باسم الروجا وتتوافر منتجاتها في الأسواق الأردنية تحت الاسم التجاري روجسان (®(Rojasan، أو نيرفيلاكس (Nervelax®).

 

الاستخدامات الطبية لعشبة القديس يوحنا

على الرغم من وجود فوائد طبية متنوعة لعشبة القديس يوحنا إلا أن معظم الدراسات السريرية التي أجريت عليها ركزت بشكل أساسي على فعاليتها في معالجة الاكتئاب، واستخدامات هذه النبتة في الوقت الحالي تدور حول هذا الموضوع أيضاً، فكفاءتها في معالجة الاكتئاب هو أهم ما يميزها، وفيما يلي تفصيل لأهم الفوائد الطبية لهذه النبتة:

 

أولاً: لمعالجة الحالات الخفيفة إلى المتوسطة من الاكتئاب، وهنا تحتاج عشبة القديس يوحنا لفترة لا تقل عن (2-4) أسابيع لتُظهر فعاليتها العلاجية. وقد تم إثبات فعالية عشبة القديس يوحنا في معالجة الاكتئاب بشكل قاطع من خلال العديد من الدراسات السريرية. تم في عام 2008م، عمل مراجعة وتحليل لنتائج 29 دراسة أجريت على مستخلص نبتة القديس يوحنا، ضمت 5489 شخص، وكانت النتيجة تأكيد فعالية هذه النبتة في معالجة الاكتئاب وتفضيل استخدامها على عدمه، علاوةً على ذلك تبين أن لهذه النبتة فعالية علاجية تضاهي فعالية الأدوية المستخدمة في علاج مرض الاكتئاب، وفي نفس الوقت تسبب أعراض جانبية أقل بكثير من تلك التي تحدثها أدوية الاكتئاب. كما أجريت خصيصاً دراسات أخرى للمقارنة بين فعالية عشبة القديس يوحنا والأدوية المستخدمة في معالجة مرض الاكتئاب، فإحداها بينت أن مستخلص عشبة القديس يوحنا أكثر فعالية وأقل ضرراً من دواء الفلوكستين (fluoxetine) في معالجة الحالات الخفيفة والمتوسطة من الاكتئاب، وكانت النتيجة مماثلة أيضاً عند مقارنة فعالية مستخلص النبتة مع دواء الإميبرامين (imipramine).

 

ثانياً: لمعالجة الاضطرابات العاطفية الموسمية (seasonal affective disorder)، حيث بينت دراسة أجريت على 20 شخص يعانون من هذا المرض، وكان هناك تحسن ملحوظ في حالات المرضى عند تناول 300ملغم من مستخلص عشبة القديس يوحنا، مصحوباً مع العلاج بالضوء (light therapy).

 

ثالثاً: لمعالجة الجروح والحروق والتقرحات الجلدية وتسريع التئامها، وهنا أظهرت إحدى الدراسات أن استخدام المرهم المصنوع من مستخلص عشبة القديس يوحنا في معالجة الحروق من الدرجة الثانية والثالثة يمنع تكون التقرحات ويساعد على التئام الحروق بسرعة تساوي 3 أضعاف التئامها عند استخدام المستحضرات المعتادة.

 

رابعاً: يلعب مركب الهايبرسين (hypericin) دور في معالجة الأورام السرطانية، عن طريق آلية تدعى العلاج الضوئي (phytotherapy)، والتي يتم فيها استخدام مركب حساس للضوء (photosensitizer)، مثل الهايبرسين، بالإضافة إلى الضوء والأكسجين، حيث يتم إعطاء مريض السرطان مادة الهايبرسين، والتي ستتوزع في جميع أنحاء الجسم، ومن ثم يتم تسليط ضوء على مكان الورم السرطاني ليتحول عندها الهايبرسين الموجود هناك إلى مادة سامة تقتل الخلايا السرطانية وتدمرها. وهنا لن تتأثر بقية أجزاء الجسم السليمة لأن الضوء لم يصل إليها.

 

خامساً: هنالك دراسات أظهرت بشكل مبدئي أن لمستخلص عشبة القديس يوحنا دور في التخفيف من أعراض الإقلاع عن التدخين أو التوقف عن شرب الكحول، كما أنه يعمل كمضاد للفيروسات وقد يكون له دور في معالجة الإيدز أو الأمراض الفيروسية الأخرى كالإنفلونزا، ولكن ما زال الأمر بحاجه إلى مزيد من الدراسات.

 

الأعراض الجانبية الناتجة عن تناول عشبة القديس يوحنا

بشكل عام تعتبر أعراض هذه النبتة خفيفة ومن الممكن تحملها، ومن أكثر الأعراض الجانبية حدوثاً جفاف الفم، والدوخة، والتعب، والإسهال، والغثيان، كما أنها قد تزيد من حساسية المرء لضوء الشمس، لذلك يفضل دائماً عدم التعرض لأشعة الشمس لفترات طويلة، أو العلاج بالأشعة فوق البنفسجية أثناء استخدام عشبة القديس يوحنا. يحذر من استخدام هذه النبتة الطبية أثناء الحمل أو من قبل الأم المرضع، وذلك لعدم وجود دراسات كافية تثبت أنها آمنه ولا تسبب ضرراً للجنين أو للرضيع.

 

 تحذيرات حول استخدام عشبة القديس يوحنا

كما ذكرنا سابقاً تعد هذه النبتة فعالة في معالجة مرض الاكتئاب وأقل ضرراً من الأدوية المخصصة لعلاجه. ولكن أصبح معروفاً الآن أن هذه النبتة تؤثر سلباً على فعالية الأدوية الأخرى والتي قد تستخدم لعلاج أمراض متعددة، وبالتالي جعلها إما غير فعالة في العلاج أو تزيد من الأضرار التي تحدثها هذه الأدوية، ولذلك ينصح دائماً باستشارة الطبيب قبل استخدام منتجات هذه النبتة. من أهم الأدوية التي تتأثر باستخدام عشبة القديس يوحنا التالي:

الأدوية المستخدمة في علاج الأمراض النفسية والعصبية كالاكتئاب والقلق والصرع وغيرها.

الأدوية المستخدمة لمعالجة مرض الإيدز.

أدوية السكري.

بعض المضادات الحيوية.

مضادات الالتهاب.

الأدوية المميعة للدم.

أدوية الشقيقة.

حبوب منع الحمل.

أدوية تثبيط المناعة.

بعض الأدوية المستخدمة في علاج أمراض القلب والجهاز الهضمي والتنفسي.


لذلك تعتبر هذه النبتة آمنه إذا كنت لا تتناول أدوية أخرى إلى جانبها، بينما يتوجب استشارة طبيب مختص قبل البدء باستخدامها إذا كنت تتناول أي دواء لمعالجة أي مرض تعاني منه.

 

 

إعداد: زينب يحيى الصبح/ دكتور صيدلة

إشراف: الأستاذ الدكتور فراس قاسم علعالي

حملة دكتور صيدلة نحو رعاية صيدلانية مثلى 

 

Please reload

bottom of page