دكتور صيدلة
نحو رعاية صيدلانية مثلى
مرضى التوحد.. يمتلكون قدرات عقلية لا يمتلكها غيرهم
يعتقد العديد أن مرض التوحد عبارة عن نوع من أنواع التخلف العقلي، وأنه يمنع المصاب به من ممارسة حياته ونشاطاته، ويبقيه عالة على أفراد أسرته.
والحقيقة أن مرض التوحد لا يمنع المصاب به من ممارسة حياته، بل على العكس فالعديد من المصابين بمرض التوحد يمتلكون مواهب وقدرات عقلية مميزة لا يمتلكها غيرهم من الأصحاء، ومثال على هؤلاء الموسيقار العبقري موزارت أماديوس وتمبل غراندين الحاصلة على شهادة الدكتوراه في علم الحيوان وأمثلة أخرى عديدة.
ما هو مرض التوحد؟
يعرف مرض التوحد بأنه اضطراب في النمو اللغوي والسلوكي والانفعالي والتعبيري، وعادةً ما تظهر أعراضه خلال السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، حيث يلاحظ عليه صعوبات في التواصل الاجتماعي مع الآخرين والتفاعل مع البيئة المحيطة واضطراب في الاستجابات الحسية للتنبيهات البيئية ، بالإضافة إلى القيام ببعض السلوكيات أو الأنشطة مراراً وتكراراً. والجدير بالذكر أن عدد المصابين بمرض التوحد في تزايد مستمر، وقد يعود هذا الازدياد في عدد الحالات إلى تطور وتحسن أساليب التشخيص للمرض أو لزيادة عدد المصابين به.
هل التوحد يعني التخلف أو التأخر العقلي؟
كما ذكرنا فإن بعض المصابين بهذا المرض يتمتعون بقدرات ومواهب عديدة في الرياضيات والرسم والقدرة على الحفظ وغيرها، ويجب تنمية هذه المهارات والعمل على تطويرها من قبل الأهل، والبعض الآخر قد يعاني من تأخر في نمو القدرات العقلية والفكرية، ولكن بشكل عام بالرغم من حاجة مريض التوحد لمعاملة خاصة ممن حوله فهو قادر على ممارسة حياته والنجاح في حياته المهنية والعلمية إذا توفر له الجو الملائم لذلك.
من هم الأكثر عرضه للإصابة بمرض التوحد؟
بصورة عامة يعتبر الأطفال الذكور أكثر عرضة للإصابة بالمرض من الإناث، كما أن الأطفال في سن 6-11 سنة أكثر عرضة للإصابة بالمرض مقارنةً بالذين تتراوح أعمارهم بين 15-17 سنة.
عوامل تزيد من احتمالية الإصابة بمرض التوحد:
يصعب تحديد الأسباب الدقيقة للإصابة بالتوحد فهي غير معروفة حتى الآن، إلا أن بعض الأبحاث وجدت ارتباطا بين الإصابة بالتوحد والعديد من العوامل المختلفة، ومن أهمها:
• وجود أخ أو أخت مصاب بالتوحد.
• إصابة أحد الوالدين أو كليهما بالمرض.
• الطفل الذكر أكثر عرضة للإصابة بالمرض من الأنثى.
• أن يتجاوز عمر أحد الوالدين أو كليهما 35 سنة عند ولادة الطفل، وتزداد الاحتمالية كلما زاد عمر الوالدين.
• حدوث مشاكل مرتبطة بالولادة، كمتلازمة شفط العقي (Meconium aspiration syndrome)، أو حدوث أي أذى للجنين أثناء الولادة، أو التشوهات الخلقية، أو الوزن القليل للجنين عند الولادة، أو إصابة المولود بفقر الدم.
• الطفل المولود لأم مصابة السكري أو ارتفاع ضغط الدم أو السمنة هو أكثر عرضة للإصابة بالتوحد.
• تناول الأم أثناء الحمل لبعض الأدوية المضادة للاكتئاب وذلك يعتمد على نوع الدواء، وفترة البدء باستخدامه والجرعة ومدة العلاج.
• تعرض المولود الجديد للملوثات الجوية المنبعثة عن حركة المرور والسيارات والجزئيات الدقيقة بالجو.
هل هناك ارتباط بين مطاعيم الأطفال والإصابة بالتوحد؟
على عكس ما هو شائع بين الكثيرين، لم تثبت الدراسات العلمية وجود أي ارتباط بين أخذ المطاعيم المختلفة والإصابة بمرض التوحد عن الأطفال. لذا ينصح الأهل بعدم الاكتراث لمثل هذه الإشاعات والالتزام بإعطاء الطفل المطاعيم الموصى بها.
أعراض مرض التوحد
الاطلاع على أهم علامات وأعراض مرض التوحد أمر مهم للوالدين ليتمكنوا من اكتشاف إصابة الطفل في وقت مبكر، والواقع أنه لا يوجد أعراض محددة يجب أن تتواجد لدى جميع مرضى التوحد، فطبيعة الأعراض ومدى شدتها تختلف من طفل إلى آخر، ومن أهم هذه الأعراض:
• عدم الاهتمام أو التنبه عند مناداة الطفل باسمه أو التظاهر بعدم سماعه.
• صعوبة التواصل مع الآخرين، فالطفل المصاب بالتوحد لا يُظهر التودد والملاطفة لوالديه وأفراد أسرته كما يفعل بقية الأطفال في مثل سنه، كما لا يبادل والديه بالابتسامة أو قد يرفض محاولة اللعب معهم ولا يطلب اهتمامهم، وقد يتعامل معهم كأي شخص غريب لا يعرفه.
• عدم الشعور بالحزن أو الضيق أو البكاء عند مفارقة الطفل لوالديه وعائلته، كما لا يشعر بالانزعاج عند تواجده بين غرباء لا يعرفهم.
• العزلة واللعب وحيداً دون محاولة مشاركة الآخرين.
• وجود خلل في مهارات التواصل بالعينين أو في تعابير الوجه.
• يتمسك بعمل روتين أو طقوس معينة ولا يرغب بتغييرها.
• الإصابة بضعف أو بطء في تطور اللغة أو حتى تراجع القدرة الكلامية لدى الطفل بعد اكتسابها، أو استعمال كلمات ليس لها علاقة بالمعنى المراد إيصاله.
• تكرار كلمات أو جمل معينة، ولكن دون فهم كيفية استخدامها.
• عدم القدرة على التعبير عن مشاعره وعواطفه وعدم الاكتراث لمشاعر الآخرين.
• تكرار عمل حركات معينة، مثل هز الرأس، أو ارتعاش اليد، أو الدوران حول النفس، أو القيام بأنشطة يمكن أن تسبب الضرر كضرب الرأس.
• قد يصبح حساسا وينزعج بشده من الضوء أو الصوت المرتفع أو حتى عند اللمس أو الشعور بالألم.
• الجمود والتكرار والتشابه في التصرفات والأفعال.
• الاندماج مع الموسيقى والاستمتاع بالمثيرات السمعية والبصرية، وقد يبدي اهتماماً فائقاً بأصوات عادية مثل دقات الساعة.
الوقاية من مرض التوحد
كما ذكرنا، الأسباب المؤدية للإصابة بالتوحد غير معروفة، ولكن يعتقد الباحثون أن الجينات الوراثية تلعب الدور الأساسي في هذا المرض، ولذا لا يوجد وسيلة يمكن اتباعها لمنع إصابة أي طفل بالتوحد، لكن يقترح الأطباء محاولة اتباع النصائح التالية للتقليل من احتمالية إصابة الطفل بالتوحد:
• محافظة الأم على تناول غذاء صحي متوازن وممارسة الرياضة وتناول الفيتامينات والمعادن التي تحتاجها خلال الحمل.
• تجنب تناول الأدوية خلال فترة الحمل إلا باستشارة الطبيب.
• زيارة الطبيب لمعالجة أي مشكلة صحية أو السيطرة على أي مرض مزمن تعاني منه الأم أثناء الحمل.
• أخد المطعوم الخاص بالحصبة الألمانية قبل التخطيط للحمل، فهو يحمي من الإصابة بالتوحد المرتبط بالحصبة.
علاج مرض التوحد:
لغاية الآن يقف العلم عاجزاً عن إيجاد دواء فعال لعلاج مرض التوحد، ولذا يعتمد العلاج على إخضاع الطفل لبرامج تأهيل وتعليم وتدريب خاصة لمساعدته على اكتساب المهارات الحياتية المختلفة التي يفتقدها، والتحسين من الأعراض والاضطرابات السلوكية التي يعاني منها من صعوبات في النطق أو التواصل أو تأخر القدرات العقلية والإدراكية وغيرها من المشاكل التي قد يعاني منها مريض التوحد. لذا لابد من متابعة حالة الطفل وتلقيه العلاج في مركز تأهيل خاص بمعالجة التوحد.
دور الأهل والعائلة في معالجة مرض التوحد:
يلعب الأهل وخصوصاً الوالدين دوراً أساسياً سواء في اكتشاف الإصابة بالمرض أو في علاجه، فهم أول من يلاحظ الأعراض وظهورها على الطفل، وهم يشكلون البيئة الأساسية التي تحيط بالطفل وتتعايش معه. لذا يتوجب على الوالدين مراجعة طبيب الأطفال في حال ملاحظة أي أعراض غريبة على طفلهم والطبيب بدوره سيحول الحالة إن لزم لطبيب نفسي مختص لتقييم وتشخيص الحالة.
يجب على الوالدين في حال إصابة طفلهم بمرض التوحد التحلي بالصبر، فالتعامل مع هذا المرض يحتاج منهم وقتا وجهدا أكبر لمساعدة طفلهم على تخطي الصعوبات والمشاكل التي يعانيها. وبالرغم أن مريض التوحد يحتاج للخضوع لبرامج تأهيل في مراكز علاج متخصصة، إلا أن دور الوالدين لا يمكن الاستغناء عنه، فعليهم تعلم مهارات التعامل مع طفلهم وكيفية إكسابه المهارات الخاصة بالتواصل مع الآخرين، ومتابعة تطبيق كل ما يتعلمه الطفل في المركز العلاجي داخل البيت.
إعداد: فاطمة محمد حسن هزايمة/ دكتور صيدلة
إشراف: الدكتورة زينب الصبح
حملة "دكتور صيدلة نحو رعاية صيدلانية مثلى"
كلية الصيدلة-جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية