top of page
 
الاضطرابات الغذائية: الأنواع والأعراض والعلاج

 

 

لوحظ في الفترة الأخيرة من القرن العشرين ظهور حالات الاضطرابات الغذائية، وهي عبارة عن عادات غذائية خارجة على إطار المألوف يقوم بها الشخص بهدف خسارة الوزن، وانتشرت بشكل كبير خصوصاً بين الفتيات المراهقات، لكنها ظاهرة ممكنة الحدوث بين الفتيان المراهقين والنساء والرجال الراشدين أيضاً.

 

وتقدر الإحصاءات أن 50 % من المراهقات و33 % من المراهقين يقومون باتخاذ إجراءات متعددة لخسارة الوزن، وأن %25  من هذه الحالات سوف تتحول الى حالة اضطراب غذائي. ظهرت هذه العادات نتيجة عدة عوامل، ومنها اجتماعية؛ حيث أصبح الاهتمام بالنحافة في المجتمع واضحا بشكل كبير، فأضحت معيارا أساسيا من معايير الجمال والجاذبية وعاملا مهما لاختيار ملكات الجمال والممثلات وغيرها، فأصبحت الفتيات يبذلن المستحيل للحصول على الوزن المثالي، ولم يقتصر الموضوع على ذلك، بل أصبح الهدف الحصول على أوزان أقل من المثالية للظهور بشكل أرشق، وأصبحت حالة مرضية عند البعض، وهنالك عوامل حيويةمؤثرة في الوزن؛ كاضطراب غدة تحت المهاد المسؤولة عن التحكم بعمليات الجوع والشبع، وأخيراً لا نغفل عن دور العوامل النفسية؛ كالاكتئاب والوحدة وغيرهما، التي تؤثر على كمية استهلاك الطعام عند الفرد. ونتيجة لارتفاع نسب الإصابة بهذه الظاهرة وانتشارها خصوصاً بين المراهقين، أصبح من الضروري إلقاء الضوء عليها للتعرف على أعراضها وكيفية علاجها.

 

تنقسم الاضطرابات الغذائية إلى حالتين رئيسيتين؛ هما:

أولاً: فقدان الشهية العصبي (anorexia nervosa)، هو مرض عصبي مزمن ويعد من أكثر الحالات النفسية التي تؤدي إلى الوفاة، يقضي على 5 % من ضحاياه؛ حيث يعاني المصاب بهذا المرض من حالة هوس شديد بالنحافة، ما يدفعه الى فقدان الكثير من الوزن عن طريق القيام بإجراءات قاسية؛ مثل تجويع النفس والابتعاد عن الأطعمة ذات السعرات الحرارية العالية وممارسة الرياضة العنيفة بشكل دائم خوفاً من اكتساب الوزن، حتى يفقد ما يقارب 15 % من وزنه المثالي (أي يكون مؤشر كتلة الجسم عند هؤلاء المرضى أقل من 17.5 وفي أسوأ الحالات قد يبدو المريض كالهيكل العظمي، ومع ذلك يبقى عنده الحس الداخلي بالبدانة وضرورة فقدان المزيد من الوزن).

 

الأعراض

هذا المرض يدعى أنوركسيا (Anorexia) وترجمته الدقيقة تعني (فقدان الشهية)، لكن بالحقيقة المصابون بهذا المرض يشعرون بالجوع طوال الوقت، حتى أن انشغالهم بالتفكير بالطعام قد يؤثر على تركيزهم، وهم يحاولون قمع رغبتهم في تناول الطعام عن طريق إعداد الطعام للآخرين بدون أن يأكلوا منه، أو عن طريق تقطيع الأكل لقطع صغيرة جداً، ورفضهم الأكل أمام الآخرين، ثم يصبح همهم الشاغل كيفية التخلص من الوجبة التالية، وفي نهاية المطاف تبدأ أعراض أخرى بالظهور نتيجة سوء التغذية؛ كالاصفرار والهزال، الجفاف، الإمساك، تكسر الأظافر والشعر، نمو شعر خفيف على أجسامهم (الزغب)، انقطاع الطمث (لثلاث دورات متتالية)، الشعور بالبرودة والكآبة الشديدة. وإذا استمرت الحالة لأكثر من عشر سنوات، 5 % من المصابين قد يتعرضون لاضطرابات خطيرة بالقلب تؤدي بهم الى الوفاة.

 

ثانياً: الشراهة العصبية (bulimia nervosa)، هذا النوع من الاضطرابات الغذائية أكثر انتشاراً من النوع الأول. المصابون بهذا المرض يقسمون الى نوعين: النوع الأول (التطهيري) ويعد الأكثر شيوعاً، وفيه يعمد المصابون الى أكل الطعام بكميات كبيرة وشراهة عالية خلال مدة قصيرة ثم يقومون بالتخلص منه عن طريق القيء المتعمد أو باستعمال الملينات ومدرات البول لكي لا تزداد أوزانهم. أما النوع الثاني (غير التطهيري) فيقوم المصابون به بأكل كميات كبيرة من الطعام في مدة قصيرة، لكنهم لا يعمدون للتخلص منها بالطرق السابقة، بل يقومون بممارسة رياضات عنيفة أو اعتماد الصوم عن الطعام  لموازنة كميات السعرات الحرارية.

 

ويعاني المريض من مجموعة من الأعراض تتمثل في: قيء متكرر مع شعور بالاكتئاب بعد تناول الوجبات الدسمة، الإرهاق والهزال، تورم بالغدد اللعابية، تآكل مينا الأسنان، تقرحات بالحلق، وتمزقات بالمريء نتيجة القيء المتكرر، بالإضافة إلى الجفاف وفقدان عناصر ومعادن مهمة كالبوتاسيوم، مما قد يؤدي الى أعراض خطيرة، وارتفاع واضح بنسبة الشعور بآلام الصدر والمفاصل والجهاز الهضمي مقارنة بالأشخاص الطبيعيين.

 

العلاج

تزداد نسبة نجاح العلاج إذا تم اكتشاف المرض مبكراً (أقل من ستة شهور أو فقدان قليل للوزن)، فإذا شككت بأن أحدهم يعاني من أعراض الاضطرابات الغذائية، فابحث عن المساعدة الطبية بأسرع ما يمكن. وقد ينصح الطبيب بدخول المستشفى إذا فقد المريض أكثر من 30 % من وزنه. العلاج في العادة متعدد الاتجاهات ويستدعي تدخل أكثر من طبيب؛ إذ إن الهدف لا يتمثل في إعادة السلوك الغذائي الاعتيادي إلى طبيعته فحسب، بل وأيضاً في علاج المضاعفات الصحية وعلاج أي مشاكل نفسية نتجت عن المرض. ورغم أن العلاج الدقيق يعتمد على متطلبات كل مريض، فإن إرشادات جمعية الطب العقلي الأميركية لعلاج أمراض الاضطرابات الغذائية العصبية توصي بالبدء بتوليفة من المشورات الغذائية وطرق العلاج النفسي، وأفضلها العلاج المعرفي السلوكي.

 

- المشورة الغذائية: لكي يتمكن المرضى من كسر دورة التجويع أو الإسراف في الأكل، عليهم أن يتدربوا على كيفية تحضير الوجبات الغذائية مع إيضاح أهمية احتوائها على جميع العناصر الغذائية الضرورية (كالبروتينات والنشويات والدهنيات وغيرها) وتوزيع الوجبات على أوقات متنوعة خلال النهار، وعلى تنظيم تناول السعرات الحرارية اللازمة لاحتياجاتهم اليومية بهدف المحافظة على أوزانهم.

 

- العلاج المعرفي السلوكي: الأبحاث أظهرت أن هذا العلاج هو أكثر طرق العلاج النفسي فاعلية للبالغين المصابين بأمراض الاضطرابات الغذائية العصبية. وهي تساعد المرضى على التعرف على الأفكار المشوهة (تؤدي تلك الأفكار المشوهة إلى سلوك قهري) لديهم حول أنفسهم وغذائهم ومن ثم تغييرها. كما تساعد هذه الطريقة على البحث عن وسائل للتعامل مع حالات التوتر اليومية. تشمل الدورة الكاملة للعلاج المعرفي السلوكي 20 جلسة تستمر لمدة 5 أشهر، وإن لم يظهر أي تحسن بعد مرور 10 جلسات، فإن جمعية الطب العقلي الأميركية توصي باستخدام الدواء بالإضافة إلى متابعة الجلسات. إن غالبية الأطباء يرون أن توليفة تضم طريقة العلاج المعرفي السلوكي مع الأدوية أو مع طريقة علاجية نفسية أخرى هي الأفضل وتؤدي مفعولها بشكل جيد جدا.

 

- في حالة الشره العصبي، من الممكن استخدام أدوية تتبع لمجموعة مثبطات استرجاع "السيروتونين" الانتقائية (selective serotonin reuptake inhibitors- SSRI) التي تستخدم عادة لمعالجة الاكتئاب، إلا أن الدواء الوحيد من هذه المجموعة الذي أجازت استخدامه وكالة الغذاء والدواء الأميركية لعلاج اضطرابات السلوك الغذائي هو الفلوكسيتين، ورغم أن غالبية الأبحاث التي أجريت عليه كانت لبالغين مصابين بمرض الشره العصبي، إلا أن إحدى التجارب الصغيرة وجدت أنه مفيد لعلاج المراهقين أيضا. لم تجر أبحاث كثيرة حول دواء السيرترالين، إلا أن إحدى الدراسات أظهرت أنه فعال أيضاً في علاج مرض الشره العصبي لدى البالغين. وعند علاج مرض الشره العصبي فإن الجرعة المستخدمة من أدوية "SSRI" تكون أعلى من الجرعة المستخدمة لمعالجة الاكتئاب. غالباً ما توصف الأدوية لفترة تسعة شهور أو حتى سنة كاملة لدرء احتمال عودة المرض.

تشير الأبحاث باستمرار إلى أن هذه الأدوية تقلل بسرعة من تكرار دورة الإسراف في الأكل والتطهير، كما أنها تحسن المزاج، إلا أنها وجدت أيضا أن المرضى الذين يتناولون الأدوية فقط يتوقفون مبكرا عن تناولها، ولذا ينصح بأن يتم تناول الأدوية، بالإضافة إلى العلاج بإحدى طرق العلاج النفسي.

 

 

إعداد  د. ولاء أبو الهيجاء /دكتور صيدلة
إشراف د. خولة نصير
حملة دكتور صيدلة نحو رعاية صيدلانية مثلى

Please reload

bottom of page